ما هو القول الصحيح في عدد أهل الكهف ؟ وهل هم أصحاب الصخرة ؟
نص السؤال سؤال: هذا سؤال من المستمعة ف . ر . أ من بور سودان تقول : ما هو القول الصحيح في عدد أهل الكهف ؟ وهل هم أصحاب الصخرة ؟ أم أنهم غيرهم ؟ فإن كان كذلك فمن هم إذن أصحاب الصخرة وما هي قصتهم؟ .
المفتي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
.
الإجابة
جواب: أهل الكهف بينهم الله في كتابه العظيم ، والأقرب ما قاله جماعة من أهل العلم : أنهم سبعة وثامنهم كلبهم ، هذا هو الأقرب والأظهر ، وهم أناس مؤمنون ، فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى ، فلما أيقظهم الله بعد أن ناموا المدة الطويلة ، توفاهم الله بعد ذلك على دينهم الحق ، هؤلاء هم أهل الكهف كما بينهم الله في كتابه الكريم ، فتية آمنوا بربهم فزادهم الله هدى وناموا النومة الطويلة بإذن الله ، ثم ماتوا بعد ذلك وبنى عليهم بعض أهل الغلبة هناك من الأمراء والرؤساء مسجدا ، وقد أخطئوا وغلطوا في ذلك ؛ لأن القبور لا يجوز أن تبنى عليها المساجد ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، ولعن من فعله فقال : صحيح البخاري الصلاة (425) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (529) ، سنن النسائي المساجد (703) ، مسند أحمد بن حنبل (6/146) ، سنن الدارمي الصلاة (1403). لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وحذر من البناء على القبور وتجصيصها واتخاذ المساجد عليها ، كل هذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ولعن من فعله ، فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على القبور مساجد ، ولا قبابا ولا غير ذلك ، بل تكون القبور ضاحية مكشوفة غير مرفوعة ليس عليها بناء ، لا قبة ولا مسجد ولا غير ذلك ، هكذا كانت قبور ( الجزء رقم : 6 ) - -ص 256 - المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي عهد الخلفاء الراشدين حتى غير الناس بعد ذلك وبنوا على القبور ، وهذا من الجهل والغلط ومن وسائل الشرك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الصلاة (425) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (529) ، سنن النسائي المساجد (703) ، مسند أحمد بن حنبل (6/146) ، سنن الدارمي الصلاة (1403). لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي الله عنها : ( يحذر ما صنعوا ) وقال عليه الصلاة والسلام صحيح البخاري الصلاة (417) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528) ، سنن النسائي المساجد (704) ، مسند أحمد بن حنبل (6/51). لما أخبرته أم حبيبة وأم سلمة أن في أرض الحبشة عدة كنائس فيها تصاوير قال : أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ، ثم قال : أولئك شرار الخلق عند الله متفق على صحته ، فأخبر أنهم شرار الخلق بسبب بنائهم على القبور واتخاذهم الصور عليها ، أسأل الله السلامة .
وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه : صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532). إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك أخرجه مسلم في صحيحه ، فنهى صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم عن اتخاذ القبور مساجد وحذر من هذا ، وبين أنه عمل من كان قبلنا من المغضوب عليهم والضالين وهو عمل مذموم ، وما ذاك إلا لأنه من وسائل الشرك والغلو في الأنبياء والصالحين ، فلا يجوز للمسلمين أن يتخذوا قبابا ولا مساجد على قبور أمواتهم ، بل هذا منكر ومن وسائل الشرك .
وهكذا لا يجوز تجصيص القبور والبناء عليها والقعود عليها . لما ثبت في [ صحيح مسلم ] عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكتابة عليها أو إسراجها في أحاديث أخرى ، وكل ذلك من باب سد الذرائع المفضية إلى الشرك ( الجزء رقم : 6 ) - -ص 257 - والغلو ، والله المستعان ولما في القعود عليها من الإهانة لأهلها .
أما أصحاب الصخرة فكما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : صحيح البخاري الإجارة (2152) ، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2743) ، مسند أحمد بن حنبل (2/116). انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم ، حتى أووا المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ، فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم ، فقال رجل منهم : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا ، فنأى بي في طلب شيء يوما فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين ، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا ، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : وقال الآخر : اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلي فأردتها عن نفسها ، فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ، ففعلت ، حتى إذا قدرت عليها قالت : لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه ، فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي ، وتركت الذهب الذي أعطيتها ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها . قال النبي صلى الله عليه وسلم : وقال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب ، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال ، فجاءني بعد حين فقال : يا عبد الله ، أد إليّ أجري ، فقلت له : كل ما ترى ( الجزء رقم : 6 ) - -ص 258 - من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال : يا عبد الله لا تستهزئ بي ، فقلت : إني لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا ، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة ، فخرجوا يمشون .
في هذا الحديث موعظة وذكرى ودلالة على أن الله سبحانه على كل شيء قدير ، وأنه سبحانه يبتلي عباده في السراء والضراء والشدة والرخاء ؛ ليمتحن صبرهم وشكرهم ، ويبين آياته لعباده وقدرته العظيمة ، وهذا حديث صحيح ، رواه مسلم والبخاري في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه عبرة وإرشاد إلى الضراعة إلى الله وإلى سؤاله عند الكرب والشدة ، وأنه سبحانه قريب مجيب يسمع دعاء الداعي ، ويجيب دعوته إذا شاء سبحانه وتعالى ، وفيه دلالة على أن الأعمال الصالحات من أسباب تيسير الأمور وإزالة الشدائد وتفريج الكروب ، وفيه دليل على أنه ينبغي للمؤمن إذا وقع في الشدة أن يضرع إلى الله ، ويفزع إليه ، ويسأله ، ويتوسل بأعماله الصالحة كإيمانه بالله ورسوله وتوحيده وإخلاص العبادة له ، وكبِرّ الوالدين وأداء الأمانة والعفة عن الفواحش .
هذه وأمثالها هي الأسباب والوسائل الشرعية ، والله سبحانه من فضله وإحسانه يجيب دعوة المضطر ، ويرحم عبده المؤمن ويجيب سؤاله ، كما قال سبحانه : سورة البقرة الآية 186 وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ وقال ( الجزء رقم : 6 ) - -ص 259 - سبحانه : سورة غافر الآية 60 ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وقال سبحانه : سورة النمل الآية 62 أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ
وهؤلاء الثلاثة مضطرون نزل بهم أمر عظيم ، وكربة شديدة ، فسألوا الله بصالح الأعمال ، فأجاب الله دعاءهم وفرج كربتهم .
وفيه من الفوائد : بيان فضل بر الوالدين ، وهو من أفضل القربات ، ومن أسباب تيسير الأمور ، وهكذا العفة عن الزنا ، والحذر منه من جملة الأعمال الصالحات ومن أسباب النجاة من كل سوء ، وهكذا أداء الأمانة والنصح فيها من أعظم الأسباب في تيسير الكروب ، ومن أفضل الأعمال الصالحات ، ولعظم فائدة هذا الحديث أخبر النبي أمته ليستفيدوا ويعتبروا ويتأسوا بمن قبلهم في الأعمال الصالحة .